بعد سبع سنوات من تحقيقات جمعها أربعة عشر مجلدا، شارك فيها 120 شاهداً، في قضية الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، خرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ليقول: «أتحمل كامل المسؤولية» بعد أن أحرجه تقرير «شيلكوت» وأثبت بطلان الأسس القانونية التي استند إليها في قرار المشاركة في الغزو الهمجي الذي خلف مقتل ما يقرب من مليون إنسان وهجر أكثر من (5) ملايين آخرين، ومئات آلاف اليتامى والأرامل، والعدد قابل للزيادة، لأن القضية لم تكتمل فصولها بعد، وحول العراق من دولة كبيرة إلى قزم ودولة فاشلة، أسقط نظامها لتلعب به الفوضى كما تشاء، وجر الويلات على المنطقة بأكملها بعدما تسبب في إطلاق يد إيران فيها.
لقد فرح كثير من الناس بهذا التقرير لدرجة أنهم تناقلوا موقف بلير من التقرير بشكل خاطئ فقالوا: (قدم اعتذاره على غزو العراق) وهو ما لم يحدث، لأن بلير قال بعد أن أسقط في يديه (أتحمل كامل المسؤولية) وفي الوقت نفسه قال: (لقد اتخذنا القرار الصائب.. العالم بات أفضل وأكثر أمناً بعد إسقاط صدام حسين)، ليتحدث هنا بالطريقة ذاتها التي يتحدث بها أصحاب العقول الضيقة الذين لا يرون في كل هذه الكارثة إلا قضية إزاحة الرئيس الراحل صدام حسين عن السلطة، متجاهلين الدمار الذي حل بالعراق وشعبه، أو ربما هم سعداء بذلك، بالتأكيد لم يعتذر بلير عن الغزو ولن يعتذر، ولن تعتذر بريطانيا لأن ذلك سيكلفها تعويضات تقدر بترليونات الدولارات، كما لن تعتذر أمريكا أو أي دولة أخرى تسببت أو شاركت في غزو العراق، ببساطة لأن من يمثل العراق الآن مجموعة دمى جلبها الاحتلال ونصبها على حكمه، وخذوا مثالاً لذلك، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، هؤلاء الثلاثة الذين تتعلق السياسة الخارجية بهم يحملون الجنسية البريطانية، فهل يطالب هؤلاء وطنهم الذي يحملون جنسيته بالحقوق التي لوطنهم الذي ولدوا فيه وعرفوا بعدائهم له؟!
لم يصدر التقرير لأن بريطانيا تلتزم بأخلاقيات معينة تجاه الدول التي لها سيادة مثل العراق سابقاً، ولم يكن من أجل خراب العراق أو عمليات التطهير الطائفي التي أعقبت الغزو، لقد صدر التقرير عن هيئة رسمية شكلتها الحكومة البريطانية سنة 2009 من أجل 179 جندياً بريطانياً غازياً قتلوا في العراق، وبسبب تضليل الشعب البريطاني الذي أكد له توني بلير أن العراق يشكل خطراً عليه لأنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهو ما لم يثبت، لكن في النهاية يبقى التقرير مهم جداً، وسيتحرك ذوو الجنود البريطانيين القتلى لتقديم دعاوى في المحاكم بناء على هذا التقرير، فهل ستتحرك جامعة الدول العربية للمطالبة بحقوق أحد أعضائها المؤسسين باعتبارها من ذويه أسوة بذوي الجنود البريطانيين؟ أشك في ذلك.. أما توني بلير فينتظره مصير أسود، إذا ما أقيمت الدعاوى عليه، فأشد عقوبة يمكن أن يحصل عليها هي تجريده من لقب «رئيس الوزراء السابق» فكيف سيعيش المسكين بدونه؟!
بقلم: د. فراس الزوبعي