«الله يهجم بيته.. كريم جداً»، «الخبيث ذكي ويفهم»… هذه العبارات وأشباهها لطالما سمعناها تتردد على ألسنة الناس في مجتمعاتنا، تقال عندما يريد عوام الناس مدح شخص بشدة ولفت الأنظار إلى أفعاله، وهذا أسلوب في الحديث يكاد يكون قريباً من أسلوب تأكيد المدح بما يشبه الذم المشهور في بلاغة اللغة العربية، ولا غرابة في ذلك، لكن الغريب أن يستخدم هذا الأسلوب في دعم الإرهابيين والميليشيات الإيرانية في البحرين وبشكل معلن في أماكن عامة وأمام جمهور الناس.
خلال أيام عيد الفطر الماضي عرضت مسرحية في البحرين واستمر عرضها ليومين أو ثلاثة بعد العيد، ربما تكون كغيرها من المسرحيات التي تعرض من سنوات في الدول العربية، خالية من القصة والهدف والفكر، ولست بناقد مسرحي لأتكلم هنا عن تفاصيل فنية، لكني هنا أتكلم عن تفاصيل دقيقة في هذه المسرحية مرت ولم يلق لها الجمهور بالاً مع أنها أداة تأثير خفي وناعم، المسألة الأولى كانت عندما سبق عرض المسرحية ولأكثر من ساعة بث أغانٍ بصوت مرتفع وكأنها حفلة غنائية، المشكلة كانت في الأغاني نفسه فبين أغنية وأخرى أو بعد أغنيتين تبث أغنية للقوات الحكومية الموالية لإيران في العراق، ومن أغنيات ميليشيات الحشد الشعبي الإرهابي في العراق، وهذه أغنيات تبث في العراق لرفع معنويات الميليشيات وزيادة اندفاعها وحماسها وهي تقتل وتفجر وتنهب، فلماذا تبث هذه الأغنيات في مسرحية تعرض في البحرين بل لماذا تقحم مقاطع منها أثناء عرض المسرحية وليس قبلها فقط؟
أما القضية الثانية والأهم فكانت في مقاطع تمثيلية حيث ظهر أحد الممثلين مشيراً إلى المخربين في البحرين الذين تحركهم إيران وكأنه ينتقدهم لكنه يظهر وكأنه مرعوب منهم وفي الوقت ذاته يخاطب ممثلاً أخذ دور الشاب الناعم المتشبه بالنساء، فيقول له: «تعدل وشد نفسك وإلا آخذك لسترة وأحطك هناك.. هناك يعلموك تصير رجال» ذكر ذلك بطريقة إيحائية تشير إلى الذين يحرقون الشوارع ويفجرون ويقتلون رجال الشرطة، ثم كرر ذلك عندما خاطب أحد المهملين لعملهم ذاكراً له عبارته الأولى نفسها ثم كررها ثالثة في موضع آخر.
ومن شاهد المسرحية لا يشك أنها عبارات تفيد المدح وضعت في أسلوب سبقه ما يشبه الذم، لكن نتيجة الكلام هو وصف أفراد الميليشيات والعصابات الإجرامية في البحرين بأنهم مصنع الرجال وهم الأبطال، وبذلك يقدم الدعم لهم ويزرع مهابتهم في نفوس الناس، في النهاية لم تقدم هذه المسرحية سوى رسائل ناعمة تعمل على تهيئة أذهان المجتمع لقبول أعمال أتباع إيران، وتجذب إليهم من له أبسط استعداد للانضمام إليهم من الصبية والشباب الذين شاهدوا المسرحية، فهل كانت هناك رقابة على هذه المسرحية عند عرضها، وهل كانت الرقابة مدركة لما دار فيها؟
بقلم: د. فراس الزوبعي