هناك مثل شعبي يقول «تريدونها كبار كبار تريدونها صغار صغار» يضرب هذا المثل على من يطبق القوانين والتعليمات والأعراف على مزاجه وبشكل انتقائي لتحقق له رغباته لا العدالة، وهكذا هي قرارات مجلس الأمن الدولي، مرة تصدر قوية حتى تصل حد التعسف، وأخرى تصدر بطريقة لا تساوي قيمة الحبر الذي كتب فيها، وليتها لم تكتب، كما هو حال القرار الأخير بحق العراق.
يوم 22 يوليو الماضي أصدر مجلس الأمن قراره بخصوص العراق، قرار جاء بعد أحداث جسام وانتهاكات لحقوق الإنسان وملايين المشردين حتى اللحظة، فكان باهتاً لا لون له ولا طعم، وسأقف هنا بعض الوقفات مع هذا القرار، لقد جاء القرار بـ8 صفحات فذكر تنظيم «داعش» تسع عشرة مرة بوصفها أخطر تنظيم إرهابي يهدد العراق ومستقبله ويهدد العالم، مع أن العراق ضاع وضاع معه مستقبله قبل وجود داعش وذلك عندما غزته أمريكا وجاءت «داعش» لتكمل مهمة التدمير وتصل إلى تفاصيل لم تصل لها أمريكا، وأدان «داعش» لأنها تدمر التراث العراقي، لكنه لم يأبه للإنسان العراقي صانع ذلك التراث والذي يفترش حصى المخيمات اللاهب ليتحمص على طريقة تحميص المكسرات، في مقابل ذلك ذكر الميليشيات الشيعية مرة واحدة فقط ولم يصفها بالإرهابية، فقط طالبها باحترام حقوق الإنسان والوفاء بالتزاماتها في حماية المدنيين بموجب القانون الدولي والإنساني، وهذه بحد ذاتها مهزلة فهذه الميليشيات طائفية إرهابية عرف العالم إجرامها ودمويتها ومسؤوليتها عن قتل الأبرياء، فهي ليست منظمات مجتمع مدني لتخاطب بهذه الطريقة، ثم تطرق القرار إلى العملية السياسية التي صنعتها أمريكا في العراق ليؤكد على أنها «باقية وتتمدد» ويجب أن يقودها عراقيون لا صلة لهم بداعش، أما صلاتهم بإيران أو غيرها فلا مشكلة في ذلك، ويدعو أن ينخرط فيها جميع شرائح الشعب العراقي، ومع أن الوحيدين الذين يرفضونها هم غالبية العرب السنة، لكن القرار يتعامى عما يحصل لمن تسول له نفسه المشاركة بشكل جدي فيها من العرب السنة، وأمثلة ذلك كثيرة فما حصل لطارق الهاشمي وأحمد العلواني خير شاهد، فالشيعة الذين اختارتهم أمريكا لإدارة العراق ينطبق عليهم المثل المصري «زي الفريك ما بيحبش شريك»، ومن فقرات القرار المهلهل إدانة سيطرة داعش على أنابيب النفط وتصديره لحسابها، لكنه لم يتحفنا بإدانة أحزاب إيران التي امتطى كل منها أنبوباً ليصدر منه لحسابه وينفق على ميليشياته، ثم بعث القرار برسالة إلى دول العالم ليكون تعاملها وتعاونها في العراق مقصوراً على الحكومة العراقية دون غيرها، وأخيراً جدد القرار عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق سنة قادمة.
أهم ما يستفاد من هذا القرار هو معرفة أن أمريكا أعدت طبخة واحدة للعراقيين وهي العملية السياسية الجارية وتريد منهم أن يأكلوها ولو بطريقة «تزغيط الحمام» التي يستعملها الفلاحون في مصر، وكذلك فيه رسالة للميليشيات ليستمروا بعملهم على الأقل في الفترة القادمة، وللعرب السنة أن يخرجوا منه بدرس مفاده ألا تقفوا على أبواب الدول، فمهما كان حجم الظلم الذي تتعرضون له فلن تتعامل هذه الدول معكم وسيكون تعاملها مع الحكومة التي نصبها العم سام بعدما جهزته إيران بها.
بقلم: د. فراس الزوبعي