الطبال أو أبو طبل كما كان يعرف في بغداد القديمة قبل أكثر من قرن، عندما كان يعرف بموعد عرس في بيت من البيوت يذهب إلى ذلك البيت قبل أسابيع من موعد العرس ويأخذ عصاه التي يضرب بها على الطبل ويضعها في جدار المنزل، وكان ذلك يعد إعلاناً منه لأهل البيت ولباقي أهل الكار «زملاء المهنة»، بأن الحفل المرتقب سيكون من حصته وهو من سيتولى العزف في هذه المناسبة، بعبارة أخرى يحتكر لنفسه ضرب الطبول في المناسبة المرتقبة، أما أجوره فكانت عبارة عن «البقشيش» الذي يحصل عليه من أصحاب العرس وباقي الحضور المدعوين، في المقابل كان أهل العرس وباقي الطبالة يلتزمون بهذا العرف فلا صاحب العرس يستقدم طبالاً آخر ولا باقي الطبالة يتجاوزون ويحضرون بطبولهم إلى ذلك العرس إذا وجدوا العصا في الجدار، ومن هذه الحالة ظهر المثل البغدادي القائل: «ذب عصاه أبو طبل!» في إشارة للشخص الذي يسبق غيره ويطلب الشيء لنفسه ويحتكره فقط لأنه وصل أولاً.
في يوم العرس يأتي «أبو طبل» على الموعد ويجلب معه «البوقي» «صاحب المزمار» وصاحب النقارة ويبدأ أبو طبل بالعزف منفرداً بهذه النغمة «لم.. لم.. لم.. لم.. لم» يريد من خلالها إفهام الناس أن موعد جمع البقشيش قد حان، بعده بثوانٍ يجيبه صاحب المزمار بنغمة على وزن «ومنين.. ومنين.. ومنين.. ومنين» يعني من أين نجمع الفلوس، هنا يأتي دور صاحب النقارة الذي يعزف على نغمة «منا.. ومنا.. منا.. ومنا.. منا.. ومنا» أي من هذا وهذا وذاك.. والناس كانوا يفهمون المقصد ويجمعون لهم، لأنه كان يترزق بهذا الأمر.
الغريب أن الزمن دار بنا بعدما اختفت هذه العادات لنجدها تعود في العراق من جديد لكن هذه المرة على يد الأحزاب وسياسيي آخر زمن الذين تحولوا جميعهم إلى «أبو طبل» وهؤلاء لديهم مجموعة أعراس في موسم واحد يتكرر كل أربع سنين، عندما تنتهي الانتخابات وتبدأ عملية اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، في هذه الحالة تجد الشخصيات والأحزاب يحملون عصيهم ويضعونها في جدار وزارات الدولة ليعلن كل منهم أنه وصل قبل غيره وأنه أحق بالمنصب لا لكفاءة فيه لكن لمجرد أنه موجود في المشهد، وليتهم أخذوا بأخلاقيات مهنة الطبال القديمة فإذا رأى أحدهم عصا غيره ترك العرس وبحث عن غيره، لكنهم اليوم يتذابحون ويتزايدون ويتقاتلون، على هذه المناصب، ويخرجون على وسائل الإعلام ويعلن كل منهم أن الوزارة الفلانية تناسبه ويرى نفسه فيها، فأصبحوا هذه الأيام وكأنهم في غرفة القياس «Fitting Room» كل منهم يقيس الوزارات ليرى ما يناسبه منها، والمصيبة ألا أحد منهم تناسبه أي وزارة من وزارات الدولة فكلها أكبر منهم!
بقلم: د. فراس محمد