قبل أيام قليلة ظهر على إحدى الفضائيات التي بدأت تتكاثر تكاثر الأرانب، حتى لم نعد نعرف عددها وأسمائها، فضلا عن عدم إمكانية متابعتها ولو بشكل عابر، فضائية مغمورة تعرف بـ (الشرق) يمتلكها سياسي فاشل لم يتمكن من أن يكون معارضا محترما، ظهر على هذه القناة مذيعة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تافهة مغمورة كقناتها، وهي تتطاول على البحرين وملكها، فقلت في نفسي مثل هذه التفاهات لا تستحق الرد فهؤلاء المغمورون يبحثون عن الشهرة والابتزاز، لكني بعد ذلك وجدت أن المشهد مثير للسخرية فالمذيعة تتحدث في برنامج سياسي وكأنها تقص على الصغار حكايات جدتي، كما أن محاورها طباخ يرتدي الملابس الخاصة بمهنة الطبخ ويتحدث إليها في الشأن السياسي بينما هو بين الصحون، وكلاهما يجهل السياسة بل يجهل حتى الأخبار، يتحدثان بلغة ملؤها التعالي بينما هما يتسولان ويتسكعان في اسطنبول، كما تتسكع وتتسول قناتهم التي عجزت عن الإتيان بشخص محترم يدير لها برنامجا سياسيا يشارك فيه ضيوف مختصون في الشأن السياسي لهم رأيهم وقدرهم.
فوجدت أن سكوت أهل الرأي أمام هكذا إعلام هو الذي يدفع الكذبة والتافهين إلى إطلاق آرائهم، ويجعلهم يسيطرون على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، بينما أهل الصدق يسكت صوتهم، وأصبحت شؤون الناس يتكلم فيها التافهون، لذا فإن من الواجب أن يكون أهل الرأي السليم ـ على اختلاف تخصصاتهم ـ هم قادة الرأي العام، ولا بد لهم من إظهار صوتهم وتصدر منابر الرأي والتعامل مع وسائل الإعلام، فإن آراء الجماهير تدور في فلك آراء قادة الرأي، وبالتأكيد ما يفعله هؤلاء المهرجون على الفضائيات لا يمكن أن يعد رأيا عاما فهو رأي يتضمن الإساءة والتطاول والطعن، ولا يراد به إصلاح الأحوال، مستخدماً الوسائل غير المشروعة، صادراً عن أفراد ليسوا أهلاً لإبداء الرأي.
لا شك أن صدور الرأي العام ممن ليسوا أهلاً له هو من علامات قيام الساعة، فقد ذكر عليه الصلاة والسلام أنه “سيأتي على الناس سنوات… ينطق فيها الرويبضة فقيل وما الرويبضة؟ فقال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”، وهؤلاء آراؤهم أدعى لعدم احترامها، وهذه واحدة من مصائب ما عرف بالربيع العربي فالفوضى السياسية جلبت معها الفوضى الإعلامية وتحولت جليسة أطفال وطباخ إلى سياسيين وإعلاميين يتحدثون عن الدول والملوك، ويتصدرون المشهد ليشغلوا الناس بأكاذيبهم بعدما أفلسوا في دولهم وفشلوا في أن يكونوا معارضين محترمين، ولأن هؤلاء لا ينظرون أبعد من أرنبة أنفهم فهم ينظرون إلى البحرين من خلال مساحتها على الأرض ويجهلون أنها كبيرة جدا بأهلها وملكها الذين جمعوا بين الكرم والعزة والتواضع ومدت أيديهم بالخير لمن عاش بينهم ولأبعد من ذلك.
بقلم: د. فراس الزوبعي