في العراق ثورة تستعر نارها وتتقلب مواقف الدول على إثرها، فمن وضع سيناريو الأحداث أول مرة؟ وكيف تغير اتجاه الرياح لتقلب الطاولة على من خطط ودبر؟
ينشغل المتابعون والمحللون السياسيون أثناء أي ثورة بمجرياتها وتوقع ما ستفضي إليه، لكن شرارتها الأولى وإرهاصاتها يتم تداولها والبحث فيها في وقت لاحق، ولأن معرفة بداية الثورة المشتعلة في العراق اليوم أمر مهم أهمية الثورة، كان لابد من توضيح إرهاصاتها ثم بداية انطلاقها، فهذه الثورة قبل أن تكون مسلحة سبقها حراك واعتصام سلمي في ست محافظات تجاوز العام الكامل كان سببه سنون طويلة من الظلم والاستبداد والقهر المسلط على نصف الشعب العراقي لا لجرم ارتكبوه ولكنها طائفية مقيتة تعاقب على الانتماء، فأصبحت الهوية مهددة، وامتلأت السجون بمعتقلين يجرون إليها على انتمائهم، أما شرارة الحراك السلمي الأولى فكانت اغتصاب فتاة قاصر في الموصل على يد ضابط جيش «أطلق سراحه فيما بعد»، إلا أن انطلاق الحراك السلمي في الأنبار بشكل أوسع خطف الأضواء من حراك الموصل، وقد انتهى الحراك بحرب مسلحة خاضها المالكي في الأنبار لم تنتهِ إلى يومنا هذا.
الثورة الحالية في العراق لم يخطط لها من قبل على هذا النحو، ومن خطط للأحداث في الموصل هو جيش المالكي لا لتكون هناك ثورة بل لتدمير المدينة على غرار تدمير حمص وحلب، في خطة استباقية تفشل إعلان إقليم الموصل الذي تم الاتفاق عليه بشكل غير معلن ولم ينقصه سوى الإعلان، وكذلك لتوسيع الأحداث الجارية في الأنبار والتغطية على فشل الجيش هناك، أما المخطط فكان يقضي بانسحاب الجيش من بعض مناطق الساحل الأيمن في الموصل ليسمح لداعش التي تحرك عدد قليل من أفرادها من الجهة الغربية قادمين من سوريا بالدخول إلى هذه المنطقة، ثم يتولى الجيش تدمير المنطقة بحجة التخلص من داعش، ثم يوسعون عملهم في باقي المناطق، وبالفعل حصل هذا الأمر وقتل عدد من أهالي الموصل بقصف الجيش في تلك الليلة وهذا هو سبب نزوحهم إلى كردستان، لكن الجيش عندما حاول توسيع المناطق وبدأ بالانسحاب منها، شاءت إرادة الله عز وجل أن ينقلب السحر على الساحر فارتبك وفر قادته ليتبعهم الجنود دون قتال وثار الناس فملؤا الفراغ الكبير الذي خلفه الجيش من الموصل إلى بغداد، وهذا بالضبط ما يفسر لنا قلة عدد أفراد داعش قياساً بالثوار.
جرت الرياح في الموصل بما لا تشتهي السفن فمحاولة تدميرها تحولت إلى ثورة ضد من دبر لها، ثورة استحضرت كل مخزون الظلم والاستبداد وجعلته وقوداً لها، ليعترف لها العالم بأنها نتيجة للممارسات الطائفية، ومهما كانت نتائجها فإن وضع العراق بعدها لن يكون على صورته قبلها.
بقلم: د. فراس الزوبعي