لاشك أن المشهد العراقي الذي عاد إلى الظهور فجأة وبسرعة محيرة هو مشهد معقد التراكيب واضح المعالم، فهل ما يجري هناك ثورة على احتلال لا تنتهي إلا بزواله، أم أنها ثورة على الحاكم تحقق غايتها بإزاحته؟
تعقد المشهد العراقي الحالي في تراكيبه سببه كثرة الجهات المتنفذة فيه، فالغزو الذي تعرض له العراق قبل إحدى عشرة سنة أسفر عن احتلال مركب بسبب زواج المتعة بين إيران وأمريكا، ذلك الزواج الذي أنجب العملية السياسية المشوهة وحكومتها وجيش السياسيين الملتحق بها، لكن معالم المشهد واضحة فقد بات العراقيون ومعهم العرب يعرفون احتلال إيران ومشروعها في العراق والمنطقة، وكذلك يعرفون ممارساتها الطائفية وظلمها وتنكيلها بأبناء البلد، ورغم كل تخطيطها وتدبيرها سنوات طويلة للسيطرة على العراق ووقوعه بيدها إلا أن ملاليها تغافلوا عن سنن الله في الكون، فأعماهم حقد الفرس عن العدل الذي من غيره لا تدوم دولة شرعية أو محتلة، وضوح معالم الأحداث في العراق للعالم ومعرفتهم أنها ثورة على إيران أوجد حاضنة واسعة لهذه الثورة على المستويين المحلي والدولي، فالحكومات العربية وشعوبها يعلمون جيداً أن إفشال المشروع الإيراني في العراق هو إفشال لمشروعها كاملاً، فالعراق ما هو إلا محطة وقنطرة في المشروع الإيراني، كما إنه خط الصد الأول له، وما التصريحات الهستيرية لقادة إيران واستماتتهم على الحفاظ عليه إلا دليل على ذلك.
في المقابل يحاول السياسيون على مختلف انتماءاتهم تغيير معالم المشهد وتصويره على أنه ثورة على المالكي وسياساته، فيطالبون بتصحيحها أو حتى بإزاحته شخصياً عن المشهد السياسي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بسرعة، وهذا أمر طبيعي؛ فمنهم من هو جزء من المشروع الإيراني ومنهم من يدور في فلكه ولن يكون لهم وجود في عراق مستقل، من المؤكد اليوم أن إيران رفعت دعمها للمالكي فبقاء مشروعها وحكمها للعراق أهم منه، وكذلك فعلت أمريكا التي يعنيها تحقيق أهدافها، وفعلاً بدأ بعض السياسيين أتباع إيران بإرسال رسائل بهذا الخصوص للسياسيين السنة ومحاولة إغرائهم بمنحهم المناطق المحررة، وهذا لن ينفع فالمناطق المحررة بيد الثوار لا بأيديهم، من جانب آخر هوس المالكي بالسلطة يدفعه للتشبث بها ومحاولة البرهنة على أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور ودليل ذلك دعوته للميليشيات بعد انهيار منظومته الأمنية، لكن هذا الأمر لن ينفعه فهذه الميليشيات لا يمكنها العمل بحرية بدون الجيش الذي انهار معنوياً وأخذ أفراده إجراءات الاستعداد للهروب لا المواجهة.
ما يجري في العراق ثورة على الاحتلال والمشروع الإيراني أكثر من كونه ثورة على المالكي، ثورة لن تقف إلا بإزاحة ذلك الاحتلال، فالشعب الذي قاتل إيران 8 سنوات وذاق طعم النصر عليها لا يمكن أن يقبل بإذلالها له.
بقلم: د. فراس الزوبعي