من الطرائف التي تحصل للأكاديميين أصحاب النكتة ما سمعته من أحد الزملاء في إحدى الدول العربية، يقول، وهو متخصص باللغة العربية، حصلت على وظيفة تدريسي في كلية التربية، التي تضم أقساماً عدة منها علمية تطبيقية وأخرى إنسانية، ومن بينها قسم اللغة العربية الذي يناسب اختصاصي، وبعد إجراءات التعيين حددوا لي موعداً لمقابلة عميد الكلية «طبعاً صاحبنا ليلتها ما نام وقضى الليل يتخيل نفسه على المنصة وهو يلقي محاضراته».
يقول وفي الصباح توجهت لمكتب العميد، وقال لي عندي فراغ في وحدة أبحاث تابعة للكلية، فقبلتها على مضض وذهبت لهذه الوحدة، فوجدت فيها بعض العلماء المتخصصين في الفيزياء يتحدثون فيما بينهم عن تطوير وقود الصواريخ وعن قضايا في الفيزياء النووية، وبعد أيام قضيتها في هذه الوحدة العلمية التي تعلمت خلالها فنون شرب القهوة، أحببت أن يكون لي دور في هذا المكان، فأخذت ورقة وصنعت منها صاروخاً ورقياً استحضرت في صناعته كل خبراتي أيام الدراسة الابتدائية، وذهبت لمكتب العميد وألقيت الصاروخ أمامه وقلت: تفضل أول إنجازاتي، وبعدما احمرت عيناه، قلت أنا متخصص باللغة العربية ما معنى وجودي بين علماء في مجال الفيزياء، يقول فنقلني على الفور إلى قسم اللغة العربية.
سبب ذكر هذه القصة إعلان نتائج تصنيف شنغهاي لأفضل 500 جامعة في العالم لعام 2014، والذي ضم خمس جامعات عربية فقط، وليتها توزعت على الدول العربية، فقد تركز أربع منها في السعودية وواحدة في مصر، طبعاً المراكز الأولى سيطرت عليها الولايات المتحدة وتبعتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أخرى من أوروبا.
ومع أن التصنيف يعتمد الأداء فيما يتعلق بالبحث العلمي دون الأخذ بالاعتبار جودة التعليم، إلا أنه مهم جداً، فالبحث العلمي ورعايته من أهم أسباب تطور الدول، وغياب الجامعات العربية عن هذا التصنيف يعني غياب دولهم عن التطور والتقدم، ليست المشكلة بنوعية البشر في الدول العربية بدليل أن في اليوم الذي نشر فيه خبر الإعلان عن نتائج التصنيف قرأنا أن قناة CNN اختارت طفلاً إماراتياً ضمن 8 نوابغ في مجال الاختراعات والمساهمات الطبية، وقرأنا أن طالبتين بحرينيتين طورتا جهازاً يرشد المكفوفين عبر الاهتزازات التنبيهية، هذا يعني أن الاستعداد والقدرة متوفرة لدى العربي ليبحث ويبدع وهو طفل أو تلميذ فكيف به عالم.
مشكلة تلقى على الجامعات وعلى المسؤولين في الدول العربية عن السياسة التعليمية، هم من أوصلوا بلدانهم إلى هذه النتيجة، ولإصلاح هذا الوضع لابد أولاً من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ووجود استراتيجيات تعليمية واضحة، وأن يكون الإنفاق ضخماً وفي محله، ويمنح الباحثون عوائد مجزية لبحوثهم لغرض تشجيعهم، عندها يمكن أن ندخل هذه التصنيفات
بقلم: د. فراس الزوبعي